آخر المقالات

دليل تغذية الأطفال المبتسرين: فهم احتياجاتهم الفريدة

فريق طبي يغذي طفلاً مبتسراً في الحاضنة لإظهار أهمية الأطعمة المغذية للأطفال المبتسرين.

إن ولادة طفل مبتسر (خديج) هي رحلة فريدة تمتلئ بمشاعر متناقضة من الفرح الهائل والقلق العميق. وبينما يركز الأطباء على دعم التنفس وتنظيم حرارة الجسم، تبرز التغذية كأحد أهم أعمدة الرعاية وأكثرها تحديًا. السؤال عن الأطعمة المغذية للأطفال المبتسرين ليس مجرد استفسار عن قائمة طعام، بل هو سعي لفهم عالم من الاحتياجات الدقيقة والمعقدة التي تختلف جذريًا عن احتياجات الأطفال مكتملي النمو.

هذا الدليل ليس وصفة طبية، بل هو مصدر معرفي لتمكينك كأب أو أم. سنأخذ بيدك لنشرح لك "لماذا" يحتاج طفلك الصغير إلى رعاية غذائية متخصصة، و"كيف" يعمل الفريق الطبي لتلبية هذه الاحتياجات، وما هو دورك الحيوي في هذه الرحلة. هدفنا هو تبديد الغموض وتزويدك بالثقة لفهم الخطة الغذائية التي يتم وضعها لطفلك.

لماذا تختلف الاحتياجات الغذائية للطفل المبتسر بشكل جذري؟

لفهم خطة التغذية، يجب أولاً أن ندرك لماذا لا يمكن معاملة الطفل المبتسر كطفل مكتمل النمو أصغر حجمًا. يتفق جميع أطباء حديثي الولادة على أن الاختلافات الجوهرية تكمن في:

  • الجهاز الهضمي غير المكتمل: أمعاء الطفل المبتسر حساسة للغاية وغير قادرة على هضم كميات كبيرة أو تركيبات معقدة من الحليب.
  • فقدان "طفرة النمو" في الثلث الأخير من الحمل: الثلث الأخير من الحمل هو الفترة التي يكتسب فيها الجنين معظم وزنه ويخزن العناصر الغذائية الحيوية مثل الحديد والكالسيوم والدهون. الطفل المبتسر يفوت هذه المرحلة الحاسمة.
  • الحاجة إلى "النمو التعويضي" (Catch-up Growth): الهدف ليس مجرد النمو بالمعدل الطبيعي، بل النمو بمعدل أسرع للحاق بأقرانه الذين ولدوا في أوانهم.
  • استهلاك طاقة أعلى: يحرق الطفل المبتسر سعرات حرارية أكثر لمجرد القيام بالوظائف الأساسية مثل التنفس، الحفاظ على دفء الجسم، ومحاربة العدوى.

المعيار الذهبي: حليب الأم المدعم (Fortified Breast Milk)

حليب الأم هو دائمًا الخيار الأول والأفضل، خاصة للطفل المبتسر. إنه ليس مجرد غذاء، بل هو دواء حي. فهو يوفر أجسامًا مضادة لا تقدر بثمن تحمي طفلك من العدوى، وهو سهل الهضم بشكل لا يصدق على أمعائه الحساسة.

ولكن، خطأ شائع يقع فيه البعض هو الاعتقاد بأن حليب الأم وحده كافٍ. نظرًا للاحتياجات الهائلة للطفل المبتسر، فإن حليب الأم وحده لا يحتوي على ما يكفي من السعرات الحرارية والبروتين والمعادن لدعم "النمو التعويضي".

وهنا يأتي دور "مدعمات حليب الأم" (Human Milk Fortifiers - HMF). هذه المدعمات هي مساحيق أو سوائل متخصصة يضيفها الفريق الطبي إلى حليب الأم المسحوب لزيادة محتواه من:

  • البروتين (لبناء الأنسجة والعضلات)
  • السعرات الحرارية (للطاقة والنمو)
  • الكالسيوم والفوسفور (لبناء العظام)
  • الفيتامينات والمعادن الإضافية

هذا المزيج يوفر لطفلك أفضل ما في العالمين: الحماية المناعية الفائقة لحليب الأم مع الدفعة الغذائية المركزة التي يحتاجها لينمو ويزدهر.

الحليب الصناعي المخصص للمبتسرين: عندما يكون ضروريًا

في الحالات التي لا يتوفر فيها حليب الأم أو لا يكون كافيًا، يلجأ الفريق الطبي إلى تركيبات الحليب الصناعي المصممة خصيصًا للأطفال المبتسرين. هذه ليست نفس التركيبات القياسية التي تباع في الصيدليات.

الخاصية التركيبة القياسية تركيبة المبتسرين
السعرات الحرارية عادة 20 سعرة حرارية لكل 30 مل. أعلى، عادة 22 أو 24 سعرة حرارية لكل 30 مل.
البروتين مستوى قياسي. أعلى بكثير لدعم بناء الأنسجة.
الكالسيوم والفوسفور مستوى قياسي. أعلى لتعويض ما فاته في الثلث الأخير من الحمل.
نوع الدهون دهون قياسية. غالبًا ما تحتوي على دهون ثلاثية متوسطة السلسلة (MCTs) التي يسهل امتصاصها.

غالبًا ما يستخدم المستشفى نوعًا معينًا، وقد يصف الطبيب تركيبة "انتقالية" (Post-discharge formula) عند خروج الطفل، وهي تركيبة تقع في المنتصف بين تركيبة المبتسرين والتركيبة القياسية.

العناصر الغذائية الخارقة: فريق بناء الطفل المبتسر

خطة تغذية طفلك تركز على توفير كميات إضافية من هذه العناصر الحيوية:

  • البروتين: هو أهم عنصر لنمو الدماغ والأعضاء والعضلات.
  • الدهون (خاصة DHA): ضرورية للنمو السريع للدماغ وشبكية العين. هذا يؤكد على أهمية فوائد أوميغا 3 لذكاء الأطفال بشكل خاص في هذه المرحلة.
  • الحديد: يولد الأطفال المبتسرون بمخزون قليل جدًا من الحديد، وهو ضروري لإنتاج خلايا الدم الحمراء والنمو المعرفي.
  • فيتامين د والكالسيوم: لبناء العظام ومنع حالة "لين العظام عند المبتسرين".
القاعدة الذهبية التي يوصي بها جميع أطباء حديثي الولادة هي: لا تغيري أي شيء في خطة تغذية طفلكِ الموصوفة عند الخروج من المستشفى دون موافقة الطبيب المباشرة. كل تغيير، مهما كان بسيطًا، يجب أن يتم تحت إشراف طبي.

من خلال تجربتنا العملية، نؤكد أن دوركِ كأم هو الأهم. التزامكِ بسحب حليبكِ، واتباع تعليمات التغذية بدقة، وحضور مواعيد المتابعة هو ما يضمن نجاح الخطة الغذائية.

الخلاصة: كل قطرة هي خطوة نحو القوة

إن رحلة تغذية الطفل المبتسر هي ماراثون يتطلب الصبر والثقة في فريقك الطبي. قد تبدو الأنابيب والأرقام مربكة في البداية، لكن تذكري أن كل مليلتر من الحليب المدعم أو التركيبة الخاصة هو لبنة في بناء مستقبل طفلك الصحي. أنتِ لا تقدمين مجرد طعام، بل تقدمين له الأدوات التي يحتاجها للحاق بالعالم والازدهار فيه. ثقي بالعملية، ثقي بطفلكِ، والأهم من ذلك، ثقي بنفسكِ.

الأسئلة الشائعة حول تغذية الأطفال المبتسرين

متى سيبدأ طفلي المبتسر في تناول الأطعمة الصلبة؟

هذا سؤال مهم جدًا. لا يتم إدخال الأطعمة الصلبة بناءً على عمر الطفل الزمني (منذ ولادته)، بل بناءً على "عمره المصحح" (Corrected age). العمر المصحح هو عمر الطفل إذا كان قد ولد في موعده. على سبيل المثال، إذا ولد طفلكِ قبل شهرين من موعده، فعندما يبلغ من العمر 6 أشهر زمنيًا، يكون عمره المصحح 4 أشهر. سيوصي طبيبكِ بالبدء في إدخال الأطعمة الصلبة عندما يصل عمره المصحح إلى 6 أشهر تقريبًا ويظهر علامات الاستعداد.

طفلي المبتسر يعاني من الكثير من الغازات والارتجاع، هل هذا طبيعي؟

نعم، هذا شائع جدًا. نظرًا لعدم اكتمال نضج الجهاز الهضمي والعضلة التي تفصل بين المريء والمعدة، فإن الارتجاع والغازات تكون أكثر شيوعًا لدى الأطفال المبتسرين. عادةً ما تتحسن هذه الأعراض بمرور الوقت. ومع ذلك، من الضروري دائمًا مناقشة أي أعراض مع طبيب الأطفال، فقد يقترح تغييرات في طريقة التغذية أو وضعيات معينة للمساعدة.

هل يمكنني إعطاء طفلي المبتسر الماء؟

لا، على الإطلاق، ما لم يوجهكِ الطبيب تحديدًا للقيام بذلك (وهو أمر نادر جدًا). كلى الطفل المبتسر غير قادرة على التعامل مع الماء العادي، ويمكن أن يسبب ذلك اختلالًا خطيرًا في الأملاح. كل الترطيب والتغذية التي يحتاجها تأتي من حليب الأم المدعم أو التركيبة الخاصة.

مدونة نور الصحة
مدونة نور الصحة
مرحبًا بك في "مدونة نور الصحة"، حيث نقدم لك معلومات صحية وجمالية دقيقة تستند إلى أحدث الأبحاث العلمية. نغطي جميع جوانب العناية بالبشرة والشعر، بالإضافة إلى التغذية الصحية والرفاهية النفسية. كل ما نقدمه مدعوم بمصادر موثوقة، بهدف مساعدة قرائنا في تحسين صحتهم وجمالهم بشكل علمي وآمن. ومع ذلك، يُنصح دائمًا بالتشاور مع مختصين في الرعاية الصحية أو الخبراء قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بصحتك أو جمالك.
تعليقات