آخر المقالات

هل العرقسوس يرفع الضغط؟ الإجابة العلمية والكمية الآمنة

كوب من مشروب العرقسوس مع توضيح علاقته بمسألة هل العرقسوس يرفع الضغط.

سؤال "هل العرقسوس يرفع الضغط؟" ليس مجرد استفسار عابر، بل هو محور قلق حقيقي لدى الملايين ممن يستمتعون بهذا المشروب التقليدي، خاصةً مرضى ارتفاع ضغط الدم أو من لديهم استعداد للإصابة به. الإجابة المختصرة والمباشرة هي: نعم، يمكن للعرقسوس أن يرفع ضغط الدم بشكل ملحوظ لدى بعض الأشخاص. لكن هذه الإجابة تفتح الباب أمام أسئلة أكثر أهمية: كيف يحدث ذلك؟ ما هي الكمية التي تسبب هذا التأثير؟ ومن هم الأشخاص الأكثر عرضة للخطر؟

من خلال خبرتنا في تقييم الأطعمة والمشروبات وتأثيرها الصحي، نؤكد أن فهم الآلية وراء هذا التأثير هو المفتاح للاستمتاع بفوائد العرقسوس الأخرى بأمان أو لاتخاذ قرار مستنير بتجنبه تمامًا. في هذا المقال، سنتجاوز الإجابة السطحية لنغوص في العمق العلمي ونقدم لك دليلاً عمليًا وموثوقًا.

الآلية العلمية: كيف يرفع العرقسوس ضغط الدم؟

السر لا يكمن في نبات العرقسوس بأكمله، بل في مركب نشط محدد يُدعى "الجليسريزين" (Glycyrrhizin). هذا المركب هو المسؤول عن الطعم الحلو المميز للعرقسوس، وهو أيضًا السبب الرئيسي في تأثيره على ضغط الدم. يتفق الخبراء الطبيون على أن آلية العمل معقدة ولكن يمكن تبسيطها في الخطوات التالية:

  1. تعطيل إنزيم حيوي: يقوم مركب الجليسريزين بتثبيط عمل إنزيم في الكلى يُسمى "11-beta-hydroxysteroid dehydrogenase type 2". قد يبدو الاسم معقدًا، لكن وظيفته بسيطة: هذا الإنزيم هو الحارس الذي يقوم بتحويل هرمون الكورتيزول النشط إلى شكله غير النشط (الكورتيزون).
  2. تراكم الكورتيزول: عندما يتم تعطيل هذا الإنزيم، يتراكم الكورتيزول النشط في الكلى.
  3. تقليد هرمون آخر: يبدأ الكورتيزول المتراكم في التصرف كهرمون آخر يُدعى "الألدوستيرون"، وهو الهرمون الرئيسي المسؤول عن تنظيم توازن الصوديوم والبوتاسيوم في الجسم.
  4. احتباس الصوديوم والماء: هذا التأثير الشبيه بالألدوستيرون يدفع الجسم إلى حبس الصوديوم والماء، مما يزيد من حجم الدم في الأوعية الدموية.
  5. فقدان البوتاسيوم: في نفس الوقت، يتم طرد كميات كبيرة من البوتاسيوم عبر البول.

النتيجة النهائية لهذه السلسلة من الأحداث هي: زيادة حجم الدم + انخفاض مستويات البوتاسيوم = ارتفاع ضغط الدم. يمكن أن يؤدي انخفاض البوتاسيوم أيضًا إلى ضعف العضلات واضطراب نظم القلب.

من هم الأشخاص الأكثر عرضة لخطر ارتفاع الضغط بسبب العرقسوس؟

ليست استجابة جميع الأجسام لتأثير العرقسوس متساوية. هناك فئات محددة تعتبر أكثر حساسية لتأثير الجليسريزين، ويجب عليها توخي أقصى درجات الحذر أو تجنب المشروب تمامًا. بناءً على الإرشادات الصحية العامة، تشمل هذه الفئات:

  • مرضى ارتفاع ضغط الدم: هذه هي الفئة الأكثر عرضة للخطر. تناول العرقسوس يمكن أن يجعل التحكم في ضغط الدم لديهم أكثر صعوبة، وقد يتعارض مع فعالية أدويتهم.
  • مرضى القلب: الأشخاص الذين يعانون من قصور القلب الاحتقاني أو اضطراب نظم القلب معرضون بشكل خاص لمخاطر احتباس السوائل واختلال توازن البوتاسيوم.
  • مرضى الكلى: بما أن الكلى هي مركز التأثير، فإن أي شخص يعاني من أمراض الكلى يكون أكثر عرضة للمضاعفات.
  • النساء الحوامل: يُنصح بتجنب العرقسوس أثناء الحمل، حيث تشير بعض الأبحاث إلى أنه قد يؤثر على نمو الجنين.
  • الأشخاص الذين يتناولون أدوية معينة: خاصة مدرات البول (التي تسبب فقدان البوتاسيوم) وبعض أدوية القلب مثل الديجوكسين.
خطأ شائع يقع فيه الكثيرون: هو الاعتقاد بأن "الطبيعي" يعني "آمن". العرقسوس منتج طبيعي 100%، لكنه يحتوي على مركب كيميائي قوي له تأثيرات دوائية حقيقية على الجسم. التعامل معه يجب أن يكون بحكمة، تمامًا مثل أي دواء.

الجرعة الآمنة مقابل منطقة الخطر: دليل عملي

إذًا، ما هي الكمية التي تبدأ عندها المشاكل بالظهور؟ من الصعب تحديد رقم دقيق للجميع، لكن الدراسات والتوصيات الصحية تقدم لنا إطارًا عامًا يمكن الاعتماد عليه.

مستوى الاستهلاك كمية الجليسريزين التقريبية (يوميًا) مستوى الخطورة والتوصية
استهلاك منخفض (آمن لمعظم الأصحاء) أقل من 100 مجم يعتبر آمنًا بشكل عام للاستهلاك المتقطع. هذا يعادل تقريبًا كوبًا واحدًا (200-250 مل) من مشروب العرقسوس المحضر بشكل معتدل.
استهلاك متوسط (منطقة الحذر) 100 - 400 مجم الاستهلاك اليومي ضمن هذا النطاق قد يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم لدى الأفراد الحساسين بعد بضعة أسابيع. القاعدة الذهبية التي نوصي بها هي عدم جعل العرقسوس مشروبًا يوميًا.
استهلاك مرتفع (منطقة الخطر) أكثر من 400 مجم يزيد بشكل كبير من خطر ارتفاع ضغط الدم، نقص البوتاسيوم، واضطرابات القلب لدى معظم الناس، حتى الأصحاء منهم، إذا تم استهلاكه بانتظام.

أعراض ارتفاع الضغط الناجم عن العرقسوس

من المهم معرفة العلامات التحذيرية التي قد تشير إلى أنك تستهلك كمية كبيرة من العرقسوس. إذا واجهت أيًا من الأعراض التالية بعد فترة من تناول المشروب بانتظام، يجب التوقف فورًا واستشارة الطبيب:

  • صداع مستمر.
  • شعور بالخمول والتعب.
  • تورم في الساقين أو الكاحلين (وذمة) بسبب احتباس السوائل.
  • خفقان القلب أو عدم انتظام دقاته.
  • ضعف في العضلات.

هل يوجد بديل آمن؟ تعرف على عرقسوس DGL

لحسن الحظ، توجد في الأسواق منتجات من العرقسوس تم تعديلها لتكون أكثر أمانًا. ابحث عن منتجات تسمى "عرقسوس منزوع الجليسريزين" (Deglycyrrhizinated Licorice - DGL). في هذا النوع، تتم إزالة معظم مركب الجليسريزين، مما يلغي إلى حد كبير تأثيره على ضغط الدم مع الحفاظ على بعض الفوائد الأخرى للعرقسوس، مثل تهدئة المعدة.

يُستخدم DGL بشكل شائع كمكمل غذائي لدعم صحة الجهاز الهضمي، ويعتبر بديلاً آمنًا لمن يرغب في فوائد العرقسوس دون المخاطرة بارتفاع ضغط الدم.

في الختام، الإجابة على "هل العرقسوس يرفع الضغط؟" هي نعم واضحة ومدعومة علميًا. هذا لا يعني أنه يجب شيطنته، بل فهمه والتعامل معه بمسؤولية. إذا كنت شخصًا سليمًا ولا تعاني من أي من الحالات المذكورة، يمكنك الاستمتاع بكوب من العرقسوس بين الحين والآخر دون قلق. أما إذا كنت من الفئات المعرضة للخطر، فالأفضل هو تجنبه تمامًا واختيار بدائل أكثر أمانًا. صحتك دائمًا تأتي أولاً.

الأسئلة الشائعة حول العرقسوس وضغط الدم

كم من الوقت يستغرق العرقسوس لرفع ضغط الدم؟

لا يحدث التأثير بشكل فوري بعد شرب كوب واحد. عادةً ما يظهر ارتفاع ضغط الدم بعد استهلاك العرقسوس بانتظام (يوميًا أو شبه يومي) لمدة تتراوح من أسبوع إلى عدة أسابيع، اعتمادًا على الجرعة وحساسية الشخص.

هل يعود ضغط الدم إلى طبيعته بعد التوقف عن شرب العرقسوس؟

نعم، في معظم الحالات، يعود ضغط الدم ومستويات البوتاسيوم إلى طبيعتها في غضون أسابيع قليلة بعد التوقف التام عن استهلاك المنتجات التي تحتوي على الجليسريزين. ومع ذلك، من الضروري المتابعة مع الطبيب.

هل ينطبق هذا التحذير على حلوى العرقسوس أيضًا؟

نعم، ينطبق التحذير على أي منتج يحتوي على خلاصة العرقسوس الحقيقية، بما في ذلك الحلوى، الشاي، والمكملات الغذائية. من المهم قراءة المكونات، حيث أن بعض المنتجات بنكهة "العرقسوس" قد تستخدم نكهات صناعية (مثل اليانسون) ولا تحتوي على الجليسريزين.

هل العرقسوس منزوع الجليسريزين (DGL) آمن تمامًا لمرضى الضغط؟

يعتبر DGL أكثر أمانًا بشكل كبير جدًا، حيث تمت إزالة المادة المسببة لارتفاع الضغط. ومع ذلك، كقاعدة عامة، يجب على أي شخص يعاني من حالة طبية مزمنة، مثل ارتفاع ضغط الدم، استشارة طبيبه قبل تناول أي نوع من المكملات الغذائية الجديدة، بما في ذلك DGL.

مدونة نور الصحة
مدونة نور الصحة
مرحبًا بك في "مدونة نور الصحة"، حيث نقدم لك معلومات صحية وجمالية دقيقة تستند إلى أحدث الأبحاث العلمية. نغطي جميع جوانب العناية بالبشرة والشعر، بالإضافة إلى التغذية الصحية والرفاهية النفسية. كل ما نقدمه مدعوم بمصادر موثوقة، بهدف مساعدة قرائنا في تحسين صحتهم وجمالهم بشكل علمي وآمن. ومع ذلك، يُنصح دائمًا بالتشاور مع مختصين في الرعاية الصحية أو الخبراء قبل اتخاذ أي قرارات تتعلق بصحتك أو جمالك.
تعليقات