"عمره سنتان ولا يتكلم إلا بضع كلمات": فهم قلقك وتحديد الحقيقة
عمر السنتين هو مرحلة "الانفجار اللغوي" المتوقعة، حيث يبدأ الأطفال في ربط الكلمات وتكوين جمل بسيطة. لكن عندما تجدين أن طفلك لا يزال يعتمد على الإشارة والأصوات للتواصل بينما أقرانه يرددون الأغاني، فمن الطبيعي تماماً أن تشعري بالقلق. من خلال تجربتنا العملية في عيادات تطور الأطفال، نؤكد لكِ أن هذا القلق هو الأكثر شيوعاً بين آباء الأطفال في هذا العمر. لكن الخبر السار هو أن معظم حالات "المتأخرين في الكلام" (Late Talkers) تلحق بأقرانها مع مرور الوقت.
هذا الدليل مصمم ليكون مرشدكِ العلمي والهادئ. سنساعدكِ على التمييز بين التباين الطبيعي في التطور وبين التأخر الحقيقي، وسنستكشف الأسباب المحتملة، والأهم من ذلك، سنقدم لكِ خطوات عملية يمكنكِ اتخاذها اليوم، ونوضح لكِ متى يكون طلب المساعدة المتخصصة هو القرار الصائب.
أولاً: ما هو "التأخر" الحقيقي في الكلام بعمر السنتين؟
قبل أن نبحث عن الأسباب، يجب أن نحدد ما هي المعالم اللغوية المتوقعة في هذا العمر. من المهم أن نفرق بين عدد الكلمات ووضوحها. لقد ناقشنا بالتفصيل في دليلنا السابق متى يتكلم الطفل بوضوح، ولكن هنا نركز على "كم" يتكلم. يتفق معظم أخصائيي التخاطب على أن الطفل بعمر 24 شهراً (سنتين) يجب أن يكون قادراً على:
- امتلاك حصيلة لغوية لا تقل عن 50 كلمة.
- البدء في تكوين جمل بسيطة من كلمتين (مثل "أريد ماء"، "سيارة بابا").
- فهم التعليمات البسيطة المكونة من خطوتين (مثل "أحضر حذاءك وضعه هنا").
إذا كان طفلك لا يحقق هذه المعالم، فهذا يعتبر مؤشراً على تأخر في الكلام يستدعي الانتباه والبحث عن الأسباب.
الأسباب المحتملة وراء تأخر الكلام: نظرة شاملة
القاعدة الذهبية التي نوصي بها هي: تأخر الكلام هو "عرض" وليس "مرضاً" بحد ذاته. يجب البحث عن السبب الكامن وراءه.
1. مشاكل السمع (السبب الأول الذي يجب استبعاده)
هذا هو السبب الأكثر شيوعاً والذي يتم تجاهله أحياناً. الطفل لا يستطيع أن يقلد صوتاً لم يسمعه بوضوح. حتى ضعف السمع البسيط الناتج عن التهابات الأذن المتكررة أو تراكم السوائل في الأذن الوسطى يمكن أن يؤثر بشكل كبير على تطور اللغة. فحص السمع هو خطوة أولى ضرورية وحاسمة.
2. تأخر التطور العام أو اضطرابات النمو العصبي
في بعض الحالات، قد يكون تأخر الكلام جزءاً من تأخر تطوري أوسع.
- اضطراب طيف التوحد (ASD): يتميز تأخر الكلام لدى أطفال التوحد غالباً بضعف في التواصل الاجتماعي (لا يستخدم الإشارة، لا يتواصل بصرياً، لا يستجيب لاسمه) وسلوكيات نمطية متكررة.
- الإعاقة الذهنية: حيث يكون تأخر اللغة متماشياً مع تأخر في المهارات المعرفية الأخرى.
3. مشاكل الفم الحركية (Apraxia of Speech)
هنا، المشكلة ليست في فهم اللغة، بل في "البرمجة" الحركية. الدماغ يجد صعوبة في إرسال الإشارات الصحيحة لعضلات الفم واللسان والشفاه لتكوين الأصوات. الطفل يعرف ما يريد قوله، لكنه لا يستطيع إخراج الكلمات بالشكل الصحيح.
4. العوامل البيئية والاجتماعية
خطأ شائع يقع فيه الكثيرون هو التقليل من أهمية البيئة المحيطة بالطفل.
- نقص التحفيز اللغوي: طفل لا يتم التحدث إليه أو القراءة له بانتظام لن يطور لغته بنفس سرعة طفل آخر في بيئة غنية لغوياً.
- الاعتماد المفرط على الشاشات: الوقت الذي يقضيه الطفل أمام الشاشات هو وقت "ضائع" من التفاعل البشري الحي الذي يعتبر ضرورياً لتعلم اللغة.
- وجود "مترجم" في المنزل: أحياناً، يقوم أخ أكبر أو حتى الأهل بتلبية كل احتياجات الطفل بمجرد أن يشير أو يصدر صوتاً، فلا يشعر بالحاجة إلى استخدام الكلمات.
خطة عمل: ماذا يمكنكِ أن تفعلي اليوم؟
بغض النظر عن السبب، هناك خطوات عملية يمكنكِ البدء بها فوراً لتحفيز لغة طفلك:
الاستراتيجية | التطبيق العملي |
---|---|
كوني "المعلق الرياضي" | صفي كل ما تفعلينه وتفعلانه معاً بجمل بسيطة وواضحة. "أنا أرتدي حذائي الأحمر. الآن سنفتح الباب ونخرج". |
القراءة اليومية بلا انقطاع | اجعليها عادة مقدسة. اختاري كتباً تفاعلية، شيري إلى الصور واسألي "ما هذا؟" وانتظري أي محاولة للإجابة. |
وقت لعب مخصص | خصصي 15-20 دقيقة يومياً للعب على الأرض دون أي مشتتات. اتبعي اهتماماته وتحدثي عن الألعاب التي يلعب بها. |
شجعي المحاولات، لا تصححي الأخطاء | إذا قال "ع-بية" مشيراً إلى سيارة، ردي بحماس "نعم! هذه سيارة كبيرة!". لا تقولي "لا، قل سيارة". |
استخدمي "الخيارات القسرية" | بدلاً من أن تسألي "ماذا تريد؟"، قولي "هل تريد التفاحة أم الموزة؟". هذا يجبره على محاولة نطق الكلمة. |
متى يجب طلب المساعدة المتخصصة دون تردد؟
الثقة بحدسك كأم أمر مهم. إذا كنتِ قلقة، فمن الأفضل دائماً إجراء فحص. اطلبي تقييماً من أخصائي تخاطب إذا كان طفلك بعمر السنتين:
- لا يستخدم جملاً من كلمتين.
- لا يفهم التعليمات البسيطة.
- لا يستطيع الإشارة إلى الصور أو أجزاء الجسم عند تسميتها.
- فقد مهارات لغوية كان يمتلكها سابقاً (تراجع لغوي).
- يبدو محبطاً جداً عند محاولة التواصل.
الأسئلة الشائعة حول تأخر الكلام بعمر سنتين
هل صحيح أن الأولاد يتأخرون في الكلام عن البنات؟
بينما تظهر بعض الدراسات أن البنات قد يطورن اللغة بشكل أسرع قليلاً في المتوسط، فإن هذا لا ينبغي أن يكون عذراً لتجاهل العلامات الحمراء. النطاق الطبيعي للتطور ينطبق على كلا الجنسين، والتأخر الكبير يستدعي التقييم بغض النظر عن جنس الطفل.
أنا أتحدث مع طفلي بلغتين، هل هذا هو سبب تأخره؟
لا. هذه خرافة شائعة. الأطفال ثنائيو اللغة قد يبدأون في التحدث متأخراً قليلاً عن أقرانهم أحاديي اللغة، وقد يخلطون بين اللغتين في البداية، لكنهم يلحقون بالركب بسرعة. على المدى الطويل، فإن ثنائية اللغة هي ميزة معرفية كبيرة وليست سبباً للتأخر المرضي.
ما هو أول شيء يجب أن أفعله إذا كنت قلقة؟
الخطوة الأولى والأهم هي حجز موعد مع طبيب الأطفال. سيقوم الطبيب بتقييم تطور طفلك بشكل عام، وفحص أذنيه، وقد يطلب فحصاً رسمياً للسمع. بناءً على تقييمه، سيقرر ما إذا كان من الضروري تحويلك إلى أخصائي تخاطب أو متخصصين آخرين.